أخبار

نظام التعليم الروسى


نظام التعليم الروسى

 

كانت المؤسسات التعليمية فى روسيا تسمى "مدارس"، حيث أن كلمة "مدرسة" دخلت حيز الإستخدام منذ القرن الرابع عشر. و بالفعل منذ النصف الأول من القرن الحادى عشر أصبحت مدرسة قصر الأمير فلاديمير بكييف معروفة لنا و كذلك المدرسة التى أسسها "ياروسلاف مودرى" بمدينة نوفجورود فى عام 1030.

 

كانت البرامج الدراسية مثلها كما فى المؤسسات التعليمية فى الغرب تنصب على السبعة فنون الحرة التى تنتمى إلى العصور القديمة: النحو و البلاغة و المنطقية ( ما يسمى بالثلاثية)، و الحساب، و الهندسة، والموسيقى و الفلك (مايسمى بالرباعية). و كانت توجد مدارس خاصة لمحو الأمية و للغات الأجنبية: ففى عام 1806 فتحت بمدينة كييف أول مدرسة للبنات. و فتحت بعد ذلك مدارس أخرى بقصور الأمراء الروس على نمط  مدرستى كييف و نوفجورود، على سبيل المثال فى بيرياسلاف و شيرنيجوف و سوزدول، كما أنشأت مدارس فى الأديرة.

 

لم تكن المدارس مجرد مؤسسات تعليمية فحسب بل أنها كانت أيضا مراكزا للثقافة، كما كان يتم فيها ترجمة أعمال المؤلفين القدماء و البيزنطيين و كان تنسخ فيها المخطوطات.

 

و قد كان لبعض مؤرخى التعليم الروسى، و منهم المؤرخ المختص ب.ن.ميليوكوف، رأى يقول (على أساس الوقائع التى تنتمى للقرنين الخامس عشر و السادس عشر) أن لم يكن معظم السكان فى روسيا القديمة  فقط قليلى التعليم بل أنهم كانوا أميين تماما. و لكن حفظت بعض الأدلة التى تشير إلى عكس ذلك، فعلى سبيل المثال فإن ما يعرف بالجرافيتيات (كتابات على جدران الكنائس و الكاتدرايات. وتحظى جرافيتيات كاتدريات صفيا بمدن نوفجورود و كييف بشهرة خاصة) و التى تركها، على ما يبدو، أتباع عشوائيون للأوبراشية. و كذلك عثر على العديد من المخطوطات على قشر أشجار البتولا ترجع إلى القرون من الحادى عشر إلى الثالث عشر، و ليس فقط فى مدينة نوفجورود العظيمة و لكن أيضا فى مدن روسية قديمة أخرى، تدل محتوياتها على أن أصحابها ينتمون إلى مختلف الحالات الإجتماعية، و منهم تجار و حرفيون بل و فلاحون. و قد وجدت أيضا رسائل كتبتها نساء، بل و حفظت وثيقة عبارة عن كراسة مدرسية لطفل. كما توجد أيضا أدلة مباشرة و غير مباشرة على انتشار التعليم على نطاق واسع فى روسيا القديمة.  

 

انعكس تراجع الحياة الثقافية فى روسيا القديمة نتيجة للغزو المغولى (كما هو معروف، فقد الجزء الأكبر من المخطوطات الروسية القديمة) على التعليم أيضا، فبعد أن كان فى أغلبه علمانيا أصبح تقريبا كله دينيا (فى الأديرة). و الأديرة الأورثوذكسية بالذات هى التى لعبت فى ذلك الوقت (من القرن الثالث عش إلى القرن الخامس عشر) دور حامى و ناشر التعليم الروسى.


التعليم فى الدولة الموسكوفية قبل

الحقبة البطرسية

  

تبع ترسيخ الدولة الموسكوفية نهضة طفيفة فى التعليم. فمن ناحية، بدأت تظهر العديد من المدارس الخاصة و التابعة، و التى تعلم فيها الأطفال و أيضا الحرفيون و التجار القراءة و الكتابة و الحساب و ليس فقط العقائد الدينية. و من ناحية أخرى وضع نظام للتعليم الأورثوذكسى تم تعزيزه بقرارات من قبل المجلس الستوجلافى (عام 1551).

 

كانت كل من أوكرانيا و بيلاروسيا (روسيا البيضاء) مركزين للتعليم فى الأراضى السلافية الشرقية. و قد أسس المربون الأوكرانيون و البيلارورسيون ما يسمى "مدارس الأخوة" لمواجهة الهجمات السياسية والإيديولوجية (الدينية بوجه خاص) من جانب بولندا. و كانت هذه المدارس ذات إرتباط وثيق بحركة التحريرالوطني. و قد تم إنشاء كلية كييف- موهيلا (أصبحت أكاديمية إعتبارا من عام 1701) على أساس اثنتين من هذه المدارس، و فى عام 1687 تم إنشاء الأكاديمية السلافية- اليونانية- اللاتينية على نموذجها فى موسكو. و قد ظهرت مطابع فى كل من أوكرانيا و روسيا البيضاء (و قد سافر إليها بالذات، إلى مدينة "أوستروج" بالفرب من مدينة "لفوف" أول متخصص فى الطباعة "إيفان فيدوروف" بعد هروبه من موسكو) حيث كانت تكتب و تطبع الكتب المدرسية.

 

بدأت المدارس تفتح منذ منتصف القرن السابع عشر فى موسكو على غرار نموذج المدارس النحوية الأوروبية و كانت تقدم تعليما علمانيا و تعليما دينيا أيضا. فى هذا الوقت حدثت أيضا تغييرات هامة فى منهجية التعليم الأولى، حيث تم استبدال طريقة التعليم على أساس التعليم باستخدام الحروف الأبجدية والمقاطع بإستخدام الطريقة الصوتية. و بدلا من الرمز إلى الأرقام بالحروف (حروف الأبجدية السيريلية) أصبحوا يستخدمون الأرقام العربية. دخلت فى كتب التهجى نصوص مترابطة للقراءة، على سبيل المثال "المزامير"، و ظهرت  قواميس معانى الكلمات للطلبة. من المهم التأكيد على الديموقراطية فى عدم وجود تفرقة طبقية فى التعليم حتى فى ما قبل الحقبة البطرسية، فعندما تم إنشاء الأكاديمية السلافانية- اليونانية اللاتينية كان بها 76 طالبا (بدون حساب الفصل التحضيرى أو "مدرسة الكتابة السلوفانية")، كان من بينهم كهنة و شماسة و رهبان و أمراء و من كل رتب موظفى موسكو حتى الخدم و إبن السايس.

 

ما الذى كان يتعلمه الروس فى ما قبل الحقبة البطرسية؟ كان الأكثر ضعفا هو تعليم الحساب، و فقط إعتبارا من القرن السابع بدأت تذكر كتب مدرسية بالأرقام العربية. و كانت تستخدم فى الممارسة أثنتان فقط من قواعد الحساب هى "الجمع" و "الطرح"، و تقريبا لم تكن تستخدم العمليات التى بها كسور. كانت الهندسة الفراغية متقدمة بعض الشىء و على الأدق مسح الأرض عمليا. كان علم الفلك هو أيضا محض تطبيقى (وضع التقويمات و غيرها). و قد انتشر علم التنجيم فى القرن الثانى عشر.

 

كانت العلوم الطبيعية عشوائية و غير منتظمة. تطور الطب العملى  (بصفة عامة نقلا عن الشرق) و بصفة خاصة المستحضرات الصيدلانية. كان الإهتمام بالتاريخ كبيرا جدا. وفقا لما كتبه ب.ن.ميتيوكوف فإن "القراءة التاريخية كانت ، بعد الدينية، أكثر القراءات المحببة للمتعلمين القدامى. و لكن كانت تلبية الحاجة لمعرفة التاريخ فى روسيا القديمة صعبة تماما، فمع وفرة التسجيلات التاريخية المرتيطة بالأحداث التاريخية الروسية لم يكن هناك أى نظام عام للتعبير عن مسار التاريخ الروسى".

 

كان يطبع فى روسيا حتى 2,5 ألف نسخة من كتب الهجاء كل عام بالإضافة إلى ثلاثة آلاف من كتاب الصلوات و ألف و خمسمائة من كتب الأغانى الدينية. و بالطبع فإن هذه الأرقام ليست كبيرة بالنسبة لتعداد 16 مليون فى روسيا، و لكن من الواضح أن معرفة القراءة و الكتابة كانت قد أصبحت تمثل بالفعل ظاهرة جماهيرية عامة.  ظهر كتاب نحو مليتى سموتريتسكى فى عام 1648. (يجب الإشارة إلى أن كتب الهجاء و النحو لم تكن تصف اللغة الروسية الدارجة و لكن اللغة السلافانية القديمة المكتوبة (الكنسية السلافية). وقد ظهرت فى القرن السابع عشر لأول مرة الكتب المدرسية فى البلاغة و المنطق.

 

إصلاحات بطرس العظيم فى التعليم

و العقد الأول بعد بطرس

  

ظهر نظام التعليم المهنى فى روسيا بفضل بطرس، فقد أنشأت فى عام 1701 مدارس  الملاحة  و المدفعية

و التطبيب و التجارة و غيرها من المدارس التى تتضمنها الهيئات الحكومية المختصة. و بالإضافة إلى ذلك، فبحلول عام 1722 تم افتتاح 42 مدرسة مما تسمى "مدارس الحساب" فى مختلف مدن روسيا التى وفرت التعليم الأولى للرياضيات. و كانت المدارس الدينية تقوم بتدريس العلوم الإنسانية، و كانت الأكاديمية السلافية- اليونانية- اللاتينية تقوم بإعداد مدرسيها.  بحلول عام 1725 كان يوجد فى كل روسيا نحو 50 مدرسة أبرشية. و مع ذلك، ففى وقت لاحق انخفض عدد التلاميذ فى مدارس الحساب يشكل كبير نظرا لفتح المدارس الأبرشية التى انتقل إليها تقريبا كل أطفال الكهنة و الشمامسة و لعدم رغبة "سكان المدينة" (من التجار و الحرفيين) إلحاق أبنائهم بمدارس الحساب (حيث كانوا يفضلون تعليمهم حرفة). لذلك فقد كان أغلب من يدرس بمدارس الحساب أطفال الجنود و نظار الضياع، و إضطرت بعض المدارس للإغلاق. وبعد وفاة بطرس فى عام 1732، ظهرت مدارس الحامية التى لم تكن تقدم تعليم عسكرى أولى فقط و لكن أيضا تعليم أولى للرياضيات و الهندسة. و قد اتسع نطاق عمل جزء من المدارس الدينية (الأبرشية) من خلال الفصول "المتوسطة" و "العليا" و أصبحت تسمى "مدارس ثانوية دينية"، و كان يتم فيها بجانب تعليم القراءة و الكتابة تدريس النحو و البلاغة و الفلسفة و اللاهوت.

 

كان بطرس يحلم بإنشاء نظام تعليمى موحد غير طبقى. و فى الواقع فقد تبين أن النظام الذى أنشأه لم يكن موحدا (مدرسة مهنية- مدرسة دينية) و لا كان غير طبقيا. كما لم تثار مشكلة التعليم العام فقد كان يتم كجزء من التعليم المهنى. و لكن هذا النظام لعب دورا ضخما فى تطوير التعليم الروسى و "سجله" فى النظام الأوروبى للتعليم. و بالإضافة إلى ذلك، فبالذات فى عام 1714، فى عهد بطرس، أعلن التعليم الإلزامى لكل أطفال مختلف الطبقات (باستثناء الفلاحين).

 

بالمناسبة، نحن مدينون لبطرس لإدخاله كتب القراءة المدنية التى نستخدمها حتى الآن، و عمل أول ترجمات للكتب الدراسية بأوروبا الغربية إلى اللغة الروسية، و خصوصا فى برامج العلوم الطبيعية و الرياضيات وعلوم التقنية- الفلك و هندسة التحصين و غيرها. كانت أكاديمية العلوم هى أحب أبناء بطرس إلى نفسه، وقد أسس بها أول جامعة روسية بمدينة سانت- بطرسبورج، كما أنشأ بالجامعة مدرسة ثانوية. بدأ يعمل كل هذا النظام الذى أنشأه بطرس بعد وفاته فى عام 726. دعى الأساتذة الجامعيين فى المقام الأول من ألمانيا، و كان من بينهم مشاهير على المستوى الأوروبى، على سبيل المثال أستاذى الرياضيات "برنوللى" و"إيلر".

فى البداية كان عدد الطلبة قليلا جدا. كانوا بصفة أساسية من أبناء النبلاء أو الأجانب الذين يعيشون فى روسيا، و لكن سرعان ما تم إدخال المنح الدراسية و الأماكن الخاصة للطلبة الذين يدرسون على نفقة الحكومة. و كان يوجد ضمن الطلبة الذين يدرسون على نفقة الحكومة ناس من العوام بل و فلاحين (على سبيل المثال م.ف.لومونوسوف). كان يتعلم أيضا فى المدرسة الثانوية أطفال الجنود و الحرفيين و الفلاحين، و لكنهم كانوا عادة ما يكتفون بالفصول الأولى.

 

فى عام 1755 تم افتتاح جامعة مماثلة بها مدرستان ثانويتان (للنبلاء و للعوام) فى موسكو. كانت البرامج الدراسية فى مدارس النبلاء الثانوية تضم اللغة الروسية و اللاتينية و الحساب و الهندسة الفراغية و برامج قصيرة للفلسفة و اللغات الأجنبية، أما فى مدرسة العامة فكان يتم بصفة عامة تعليم الفنون و الموسيقى والغناء و الرسم كما كان يتم تدريس علوم التقنية.

 

التعليم الروسى فى عصر كاترين الثانية

  

درست كاترين الثانية بعناية تجربة التعليم فى البلدان الرائدة بأوروبا الغربية و أهم الأفكار التربوية فى زمنها. فعلى سبيل المثال، كانت توجد فى روسيا فى القرن الثامن عشر أعمل مشهورة جدا لكل من "يان أموس كومنسكى" و "فينيلون"، و "أفكار حول التعليم" للوك.  و بالمناسبة، جاءت من هنا الصياغة الجديدة لواجبات المدرسة: "هى لا تعلم فقط بل أيضا تربى". تم الإستناد على المثال الإنسانى الذى ولد فى عصر النهضة: كان ينبع من "احترام حقوق و حرية الفرد" و استبعد "من التربية كل ما يحمل سمة العنف أو الإكراه" (ب.ن.ميليوكوف). من ناحية أخرى، فإن مفهوم التعليم عند كاترين كان يتطلب أقصى عزل للأطفال عن أسرهم و تسليمهم لأيدى المعلمين. و مع ذلك، فمنذ الثمانينات انتقل تركيز الإهتمام مرة أخرى من التربية إلى التعليم.

 

أخذ الأساس من نظامى التعليم البروسى و النمساوى، و كان من المفترض تأسيس ثلاث أنواع من مدارس التعليم العام- الأولى، المتوسط، و الأساسى. كان يتم فيها تدريس البرامج الدراسية العامة: القراءة و الكتابة و معرفة الأرقام، و التعليم المسيحى، و التاريخ المقدس، و القواعد الأساسية لنحو اللغة الروسية (المدرسة الأولية). أما فى المدرسة المتوسطة فقد أضيقت برامج تفسير الإنجيل و قواعد اللغة الروسية مع تمارين الإملاء و التاريخ العام و التاريخ الروسى، و بصفة أساسية منهج تفصيلى للجغرافية و التاريخ و الجغرافية الرياضية و قواعد اللغة مع تمارين لكتابة خطابات الأعمال، و أسس الهندسة الفراغية و الميكانيكا والفيزياء و التاريخ الطبيعى و العمارة المدنية. و قد تم تطبيق نظام الفرق الدراسية المعينة، و تم عمل محاولات لإستخدام الرؤية، بل أنه تم التوصية بتشجيع طلاب الفصول المتقدمة على عمل الفكر المستقل. و لكن فن التدريس أدى بصفة عامة إلى تحفيظ نصوص الكتاب المدرسى. بنيت العلاقة ما بين المعلم و الطلاب وفقا لآراء كاترين: فعلى سبيل المثال، كانت كل وسائل العقاب القاسية ممنوعة منعا باتا.

 

بالنسبة لنظام مدارس التعليم العام كان يلزم إعداد المعلمين لها، و قد تم لهذا الغرض افتتاح المدرسة الشعبية الأساسية بمدينة بطرسبوج فى عام 1783، و قد انفصلت عنها بعد ثلاث سنوات مدرسة لمعلمين المماثلة لمعهد التربية.

 

لم يتم استكمال إصلاحات كاترين إلى النهاية، و لكنها مع ذلك لعبت دورا هاما فى تطوير التعليم الروسى، ففى خلال سنوات 1782- 1800 تخرج فى مختلف أنواع المدارس حوالى 180 ألف طفل، مثلت الفتيات 7% منهم. و بحلول القرن التاسع عشر كانت توجد فى روسيا حوالى 300 مدرسة و مدارس داخلية تضم حوالى 20 ألف تلميذا و 720 معلما، و لكن لم تكن توجد بينها أية مدارس ريفية، أى أن حصول الفلاحين على التعليم كاد أن يكون منعدما. صحيح أن "لجنة المدارس" التى أسستها كاترين منذ عام 1770 قد وضعت مشروع لإنشاء مدارس فى القرى (يضم إقتراح بإدخال فى روسيا نظام التعليم الإلزامى لكل الأطفال الذكور بغض النظر عن الطبقات التى ينتمون إليها)، و لكنه بقى مشروعا و لم يتم تحقيقه فى الواقع.

 

التعليم الروسى فى عهد ألكسندر

  

فى بداية عهد ألكسندر الأول قامت مجموعة من الإصلاحيين الشبان بقيادة م.م.سبيرانسكى، جنبا إلى جنب مع مجموعات أخرى، بتحقيق إصلاحات فى نظام التعليم. و لأول مرة تم وضع نظام للمدارس حيث تم توزيعها طبقا لما يسمى بالدوائر المدرسية و التى كانت تنتهى بالجامعات. كان هذا النظام يخضع لوزارة التربية و التعليم. تم إنشاء ثلاثة أنواع من المدارس: مدارس أبرشية، مدارس المراكز، و مدارس ثانوية (مدارس على مستوى المقاطعاات). كانت مدارس النوعين الأولين مجانية و لا طبقية، و على النقيض من نظام  مدارس كاترين  كانت هذه الأنواع الثلاثة من المدارس تناظر الثلاثة مراحل المتعاقبة للتعليم العام (لم تكن مناهج كل نوع لاحق من المدارس تكرر ما سبقها بل كانت تتابع المناهج الدراسية بمدارس المرحلة السابقة). كان الملاك يمولون المدارس الريفية الأبرشية، أما مدارس المراكز و المقاطعات فكانت تحصل على التمويل من ميزانية الدولة. و بالإضافة إلى ذلك كانت توجد مدارس دينية  و مدارس المعلمين الخاضعة للمجمع المقدس و المدارس و المؤسسات التابعة للإمبراطورة ماريا (خيرية) و لوزارة الحربية. وكانت مؤسسات تعليم االصفوة تكون فئة مدارس خاصة- المدارس الثانوية الملكية و مدارس النبلاء الداخلية.

 

كانت المدارس الأبرشية تدرس شريعة الله و القراءة و الكتابة و مبادىء الحساب. أما مدارس المراكز فكان يستمر تدريس شريعة الله  و الحساب و الهندسة الفراغية، و كان يتم فيها أيضا دراسة قواعد اللغة والجغرافيا و التاريخ و مبادىء الفيزياء و التاريخ الطبيعى و التكنولوجيا. و كانت تتم فى مدارس المقاطعات دراسة المنهج الذى يسمى الآن التربية الوطنية أو الدراسة الإجتماعية (طبقا للكتاب الدراسى الذى وضعه يانكوفيتش دى ميرييفو "عن واجبات الإنسان و المواطن" و الذى اعتمدته و أعادت صياغته كاترين بنفسها)، بل و أيضا المنطق و علم النفس و الأخلاق و علم الجمال و القانون الطبيعى و القانون الشعبى، و الإقتصاد السياسى، و مناهج الفيزياء- الرياضيات و العلوم التطبيقية- العلمية، و التجارة و التكنولوجيا.

 

فتحت جامعات جديدة- جامعة قازان و جامعة خاركوف. كانت لائحة جامعة موسكو التى تم اعتمادها فى عام 1804 ، و التى أصبحت نموذجا للوائح الجامعات الأخرى، تنص على الحكم الداخلى الذاتى و انتخاب رئيس الجامعة و اختيار الأساتذة على أسس تنافسية، و كذلك على الحقوق الخاصة بمجالس الكليات (اجتماعات عيئة التدريس بالكلية) لوضع المناهج الدراسية.

 

بدءا من عام 1817 يلاحظ عودة هذا النظام إلى الوضع المحافظ، فقد تم القضاء على الجامعات الليبرالية وتم حرمانها من الحريات الأكاديمية، و تم إدخال مناهج الشريعة الإلهية و اللغة الروسية فى المدارس الثانوية فضلا عن اللغات القديمة (اليونانية و اللاتينية) و استبعدت العلوم الفلسفية و الإجتماعية و القواعد العامة للغة و الإقتصاد.

 

التعليم الروسى فى عهد نيقولاى الأول

  

بعد وفاة ألكسندر الأول و ثورة الديسمبريين واصل نظام التعليم الروسى إرتداده إلى الرجعية. بالفعل تم فى مايو 1826 تشكيل لجنة خاصة لتجهيز المؤسسات التعليمية بناء على مرسوم إمبراطورى، حيث اسند إليها إدخال توحيد فورى لنظام التعليم "من أجل تحديثه و حظر أى تدريس عفوى لعلوم باستخدام كتب وكراسات عفوية".

 

كان نيقولاى الأول يدرك تماما أنه يجب بدأ الصراع مع الأفكار الثورية و الليبرالية من المدارس والجامعات، فقد أعيدت السمة الطبقية لنظام التعليم، كما لخص ب.ن.ميليوكوف موقف حكومة نيقولاى "لا يجب على أحد الحصول على تعليم أعلى من رتبته".

 

بقى الترتيب العام لنظام التعليم هو نفسه، و لكن أخرجت جميع المدارس من تبعيتها للجامعات و تم تحويلها للتبعية المباشرة لإدارة الدائرة التعليمية (أى لوزارة التربية و التعليم الشعبية). تم تغيير تام للتدريس فى المدارس الثانوية، و أصبحت المناهج الدراسية الرئيسية هى اللغة اليونانية و اللغة اللاتينية، و كان يسمح بتدريس الموضوعات "الحقيقية" كمواد إضافية. كان ينظر إلى المدارس الثانوية فقط كمرحلة قبل الجامعة، و لذلك و بالنظر إلى السمة الطبقية للمدارس الثانوية كان حصول العامة على تعليم عالى تقريبا غير ممكنا (و لكن على الرغم من ذلك كانوا يمثلون 30% من إجمالى عدد الطلبة فى جامعة بطرسبورج وحدها). كانت الدارس الداخلية الخيرية و المدارس الخاصة لا تقع جيدا تحت السيطة الكاملة للدولة، فكان يتم إعادة تشكيلها أو إغلاقها، و كان يجب أن تتفق برامجها الدراسية مع المناهج الدراسية بالمدارس الحكومية. خرجت من فم وزير التربية و التعليم نفسه س.س.أوفاروف (فى كلمته الموجهة لأمناء المناطق التعليمية فى 21 مارس 1833) الوصفة الشهيرة "العقيدة الصحيحة، الحكم الإستبددى، القومية". "كان يجب الآن على المعلمين الروس أن يقوموا بتدريس العلوم الروسية المعتمدة على البدايات الروسية (ب.ن.ميليوكوف). وفى عام 1850 قدم الوزير الجديد شيرينسكى- شيخماتوف تقريرا لنيقولاى الأول عن "أن كل نقاط العلم يجب ألا تكون قائمة على حقائق عقلية بل على حقائق دينية و علاقات مع اللاهوت". و هو نفسه كتب أيضا أن "أفراد الطبفة الدنيا الذين يدخلون مباشرة إلى الجامعات، يصبحون بسبب وضعهم الطبيعى ...فى كثير من الحالات أشخاصا ثائرين غير راضين عن الوضع الراهن للأمور...".

 

تم إلغاء انتخاب المدراء و الوكلاء و الأساتذة فى الجامعات و مختلف مؤسسات التعليم العالى- فأصبحوا الآن يعينون بمعرفة وزارة التربية و التعليم. و خفضت سفريات الأساتذة إلى الخارج إلى حد كبير، و تم تقليص عدد الطلبة المقبولين ، و أصبحت التعليم بمصاروفات. أصبحت مواد علم اللاهوت و تاريخ الكنيسة و الحقوق الكنسية مواد إجبارية بجميع الكليات. كان يجب على الرؤساء و الوكلاء أن يقوموا بالرقابة بأن تقدم لهم البرامج الدراسية بشكل إجبارى من الأساتذة قبل تدريسها "هل يستتر بها شىء لا يتفق مع تعاليم الكنيسة الأورثوذكسية أو مع أسلوب إدارة و روح المؤسسات الحكومية". و قد تم استبعاد مواد الفلسفة والمعرفة من البرامج الدراسية" - التى أصبح ليس لها ضرورة "فى ظل التطوير الحديث لهذا العلم بواسطة العلماء الألمان و الذى يستحق اللوم". و قد أوكل إلى معلمى اللاهوت تدريس برامج المنطق و علم النفس.

 

تم إتخاذ إجراءات لتعزيز الضبط و الربط بين الطلاب، أى لمراقبتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث كان على مفتش جامعة موسكو أن يقوم بزيارات "فى ساعات مختلفة ، و دائما بشكل مفاجىء" لمحل إقامة الطلبة من العامة و التحكم فى معارفهم، و معرفة هل يواظبون على الذهاب إلى الصلاة فى الكنيسة. كان يلبس الطلبة زيا موحدا، و كان حتى أسلوب تصفيف شعرهم مقنن بالإضافة إلى تصرفاتهم و اساليبهم فى التعاملات.

 

تم فى عام 1839، فى بعض المدارس الثانوية و مدارس المراكز، فتح (بدءا من الفصل الرابع) أقسام حقيقية كان يتم فيها تدريس التاريخ التطبيقى للصناعة و الكيمياء و علم البضائع ة المحاسبة و مسك الحسابات و القانون التجارى و الميكانيكا. و لم يكن يقبل بها العامة: حيث كان الهدف، كما كتب الوزير بشكل مباشر، هو " منع الطبقات الدنيا بالدولة من أن يتساوون مع مواطنى مجتمعهم و أن يتم تحديد قبولهم فقط فى مدارس المراكز"، و لم يكن يسمح بقبولهم بالمدارس الثانوية و بالطبع فى الجامعات. و لكن كان ذلك يعنى بموضوعية الإبتعاد عن سيادة التعليم الكلاسيكى و الإتجاه إلى الإحتياجات افعلية للمجتمع. 


   .  \

إصلاحات ألكسندر الثانى فى مجال التعليم

 

تحتل إعادة بناء نظام التعليم الروسى مكانة هامة بين الإصلاحات التى تمت فى عهد ألكسندر الليبرالى، ففى عام 1864 صدرت "أحكام المدارس الإبتدائية" التى أكدت على الحق العام فى الحصول على التعليم الإبتدائى بلا طبقية. و بالإضافة إلى المدارس الحكومية تم التوسع فى فتح المدارس المحلية الريفية والمدارس الخاصة.

 

تم اعتبار أن المدارس الأساسية هى المدارس الثانوية  أو البديلة للثانوية. كانت المدارس الثانوية تنقسم إلى مدارس كلاسيكية و حقيقية (و هى قد تحولت إلى مدارس حقيقية فى عام 1872). رسميا كانت المدارس الثانوية مفتوحة لكل من كان يجتاز إمتحانات القبول، أما الجامعات فكانت مفتوحة فقط لخريجى المدارس الثانوية الكلاسيكية او لمن اجتاز امتحانات مناهج هذه المدرسة الثانوية. أما خريجى المدارس الثانوية الحقيقية، فكان يمكنهم الإلتحاق بمؤسسات التعليم العالى غير الجامعية: فى ذلك الوقت بالذات تم إنشاء معهد بطرسبورج التكنولوجى و مدرسة موسكو الفنية العليا، و أكاديمية بيتروف الزراعية بموسكو. و فى عام 1863 تم إعتماد لائحة جديدة للجامعة أعادت للجامعات إستقلالها و منحت حقوق أكثر لمجالس الجامعات وسمحت بتكويس جمعيات علمية بل و سمحت للجامعات بإصدار مطبوعات علمية و كتب مدرسية بلا رقابة (أكثر دقة، عليها رقابة ذاتية). مرة أخرى أصبح يتم انتخاب رؤساء الجامعات و العمداء، و مرة أخرى أصبح الأساتذة يرسلون إلى الخارج، و أعيدت أقسام الفلسفة و حقوق الدولة، و تم تسهيل إلقاء المحاضرات العامة و التوسع فيها، و ألغى الحد من قبول الطلبة.

 

زاد دور الأوساط الإجتماعية فى نظام التعليم (مجالس الآباء و مجالس المربيين). و لكن حتى فى تلك السنوات كانت كل الكتب المدرسية تعانى من المركزية- من التبعية للمجلس العلمى لوزارة التربية و التعليم. بدءا من السبعينات زادت المركزية أكثر: و قد تعلق ذلك أيذا بالبرامج الدراسية و المناهج (حيث تم توحيدها)، و كذلك بإختيار الكتب المدرسية.

 

كان دور المجتمع فى النظام الروسى للتعليم فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر كبير جدا. تكونت جمعيات معلمين، و لجان للقراءة و الكتابة، و أصبحت تعقد مؤتمرات فى مجال التربية و التعليم. كان المجتمع  الروسى يتحكم فعليا عامة فى فترة ما قبل المدرسة، و بداية التعليم العام، و المدارس المهنى، وتعليم الفتيات و التعليم خارج المدرسة.  

الوضع الحديث للتعليم الروسى

  

بعد ثورة أكتوبر الإشتراكية العظيمة فى عام 1917 أصبح التعليم فى روسيا حكومى و مجانى. و فى الوقت الحالى يوجد فى روسيا 662 مؤسسة للتعليم العالى.

 

إعتبارا من عام 1992، و نظرا للتحول فى التعليم الروسى إلى إقتصاديات السوق، كما حدث فى كافة مجالات الإقتصاد عامة، ظهر القطاع الخاص. و فى الوقت الحالى تعمل فى روسيا أكثر من 3000 مؤسسة تعليمية خاصة فى مستوى التعليم العالى و التعليم المهنى.

 

إعتبارا من عام 2000 و حتى الآن يتحول نظام التعليم الروسى إلى النموذج الأورويى الذى تحدد معالمه الرئيسية إتفاقية بولونيا. هذا النموذج يتعلق بالتحول إلى النظام ذى المستويين للتعليم العالى: المرحلة الأولى- البكالوريوس (4 سنوات)، و المرحلة الثانية- الماجستير ( سنتان). و إعتبارا من  العام الدراسى 2011/2012 فإنه يتم قبول الأوراق فى المؤسسسات التعليمية الروسية فقط وفقا لنظام التعليم ذى المرحلتين. و قد بقى نظام التعليم لمدة 5 سنوات فقط بالنسبة لبعض التخصصات التى اعتمدت قائمتها حكومة روسيا الإتحادية.

 

 


كتلة تحرير